فصل: فصل في بيان مقدار الآجال:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في بيان مقدار الآجال:

جمع أجل بفتح الألف والجيم وهو لغة مدة الشيء فيشمل وقت الموت وحلول الدين والمدة التي يضربها الحاكم مهلة لأحد المتداعيين، أولهما: لما عسى أن يأتي به من حجة وهو المراد هنا.
ولاِجْتِهادِ الحاكِمِ الآجالُ ** مَوْكُولَةٌ حَيْثُ لهَا اسْتِعْمَالُ

(ولاجتهاد الحاكم) يتعلق بموكولة (الآجال) مبتدأ أي التي لا نص في قدرها من الشارع احترازاً مما فيها نص كأجل المعترض سنة. وكذا المجنون والمجذوم وأجل المفقود أربع سنين ونصفها للعبد وأجل الحر المسلم في الإيلاء لا الكفار، وإن تحاكموا إلينا فلا مانع من دخول الاجتهاد فيه قاله (ت) وتأمله فإنهم إذا تحاكموا إلينا فإنما يحكم بينهم بحكم الإسلام وأي اجتهاد يدخله حينئذ، وإن لم يتحاكموا إلينا فلا نتعرض لهم على مذهبنا ومما لا يدخله أجل التعمير ونحو ذلك (موكولة) خبر (خ): ومن استمهل لدفع بينة أمهل بالاجتهاد (حيث) يتعلق بموكولة (لها استعمال) مبتدأ وخبر والجملة في محل جر بإضافة حيث أي الآجال التي لا نص فيها حيث تستعمل موكولة في قدرها وجمعها وتفريقها إلى نظر الحاكم ففي كلامه حذف الصفة كما ترى بدليل ما يأتي في الإيلاء والمفقود وعيوب الزوجين وحذفها قليل، ومنه قوله تعالى: {إنه ليس من أهلك} (هود: 46) أي الناجين الآن جئت بالحق} (البقرة: 71) أي البين والأصل فيما ذكره الناظم قول الفاروق رضي الله عنه في رسالته المتقدمة واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أمداً ينتهي إلخ.
وصفته في الإثبات أجل قاضي حضرة كذا وهو أعزه الله فلان بن فلان في إثبات ما ادعاه في المقال أعلاه أو حوله أجلاً مبلغه كذا من غد تاريخه بعد أن أخذ من خصمه فلان حميلاً بوجهه شهد على إشهاد من ذكر دامت كرامته بما فيه عنه، وعلى المؤجل بالتزامه حكم الأجل واعترافه بأن بينته في البلد أو على قرب منه، وعلى الحميل بالحمالة على عين المتحمل عنه ورضاه من أشهدوه به وعرفهم بحال صحة وطوع وجواز، وفي كذا فإن أثبت المدعي ذلك وأعذر للمطلوب قلت أجل قاضي كذا وهو أعزه الله فلان بن فلان في حل الرسم أعلاه أو حوله بعد أخذه نسخته ومعرفته بمن ثبت به الحق وقبوله أجلاً مبلغه كذا من غد تاريخه، ثُمَّ تكمل العقد وتقيد اعترافه بأخذ النسخة ومعرفته بمن ثبت والتزامه الأجل كما مرّ، فقولنا بعد أن أخذ حميلاً إلخ.
هذا على ما به العمل من أن الحميل بالوجه يجب بمجرد الدعوى فإن لم يجده فيسجن المطلوب بعد أن يحلف الطالب على صحة ما يدعي ووجود بينته كما يأتي في قول الناظم:
وضامن الوجه على من أنكرا ** دعوى امرئ خشية أن لا يحضرا

وقولنا: شهد على إشهاد من ذكر الخ، احترازاً مما إذا لم ينصوا على إشهاده بذلك فإن هذا التأجيل لا يبنى عليه من بعده إذا عزل هو أو مات، لأن التأجيل حكم من أحكامه فلا يثبت إلا بإشهاده كغيره من الأحكام قاله في النهاية أوائل النكاح (خ) ولم يشهد على حاكم قال: ثبت عندي إلا بإشهاده أي وليس للعدل أن يشهد عليه بما سمعه منه من غير أن يشهده لأن ذلك قد يصدر منه من غير عزم على الإشهاد به، وترك البياض ليضع علامته فيه هو الصواب لأن كل ما أشهد به القاضي من إبرام حكم أو استقلال رسم أو صحته أو تأجيل ونحوه لابد فيه من ذلك، ولذا يفعلونه في التسجيل على رسم اللفيف ونحوه لئلا ينكر القاضي الإشهاد عليه بذلك، وقد شهد شهود في وقتنا هذا على القاضي في قضية ولم يتركوا له بياضاً يضع علامته فيه بل كتب الكاتب أشهد القاضي فلان ابن فلان أنه حكم بكذا أو أجل فلاناً إلخ.
وبعد حين قيم بالشهادة فأنكرها وزجرهم وأدبهم، وأيضاً فإن ذلك مفض للتزوير عليه إذ قد يشهد الشاهد عليه بإبرام حكم ويؤديها عليه وهو لا يشعر إذ كثير من القضاة اليوم لا يتصفحون الرسوم عند الأداء بل بمجرد قبضه للرسم يقول للعدل: هذه شهادتك؟ فيقول له: نعم فيخاطب عليه بالأداء والقبول من غير قراءة للرسم ولا معرفة ما فيه، وأحرى إن لم يؤدها عنده بل عند غيره بعد عزله أو موته والله أعلم. وقولنا: وعلى المتأجل إلخ.
زيادة تحصين وإلاَّ فالأجل لازم له وإن لم يلتزمه. وقولنا: واعترافه بأن بينته حاضرة إلخ.
احترازاً مما إذا سقط اعترافه بذلك من الرسم فإنه لا ينبني عليه حكم لأن المدعي قد يدعي بعد بينته وحينئذ فليس له إلا اليمين على المطلوب كما يأتي في قوله: وإن تكن بعيدة فالمدعي إلخ.
وكقول اللامية: كبينة غابت بقرب لمدع إلى قوله: وإن بعدت يحلف له إلخ... وقولنا بعد اعترافه بأخذ النسخة إلخ.. لئلا يجحد أخذها. وقولنا: ومعرفته بمن ثبت إلخ.
لئلا يدعي بعد انقضاء الأجل أنه لم يعرف الشاهد عليه، فلم يتمكن من الطعن فيه فيسقط عنه الأجل فيهما. وقولنا: وقبوله لئلا يدعي أنه أعذر له في غير مقبول عنده إذ الإعذار لا يكون إلا بعد استيفاء الشروط وتمام النظر كما في ابن سهل ومن جملتها الأداء والقبول، وقولنا: من غد تاريخه لأن اليوم المكتوب فيه يلغى كما يأتي مع نظائره، ثُمَّ محل كون الآجال موكولة للاجتهاد إنما هو بالنسبة لأهل الاجتهاد من قضاة العدل، أما بالنسبة لمن ضعفت عدالته كقضاة الوقت فلا يخرج عما حدّ له كما يأتي آخر الفصل، ولذا قال:
وَبِثَلاثَةِ مِنَ الأيَّامِ ** أُجِّلَ في بَعْضٍ منَ الأَحْكامِ

(وبثلاثة) يتعلق بقوله أجل (من الأيام) صفة له (أجل في بعض) يتعلق به أيضاً (من الأحكام) صفة لبعض، وذكر منها خمسة فقال وذلك.
كَمِثْلِ إحْضَارِ الشَّفِيعِ لِلثَّمَنْ ** والمُدِّعِي النِّسْيَانَ إنْ طالَ الزَّمَنْ

(كمثل إحضار الشفيع) من إضافة المصدر لفاعله (للثمن) يتعلق بإحضار على أنه مفعوله، والكاف في قوله: كمثل زائدة وهو خبر لمبتدأ محذوف كما ترى، ومعناه أن الشفيع إذا قال: أنا آخذ بشفعتي بالمضارع أو اسم الفاعل سواء قال المشتري سلمت لك أو سكت أو امتنع كما هو ظاهر إطلاق ابن رشد، فإن الشفيع يؤجل لإحضار الثمن ثلاثة أيام فإن أحضره وإلاَّ سقطت شفعته لأن كلاًّ من المضارع واسم الفاعل محتمل للوعد وليس صريحاً في الأخذ، فلا فرق حينئذ بين سكوت وامتناع وتسليم، ويترجح الاحتمال المذكور في الجميع بعد إتيانه بالثمن فقوله: وإذا سكت أو امتنع لا يؤجل ثلاثاً يريد بالاجتهاد إلخ.
مخالف للإطلاق المذكور ومناف للتعليل ف الله أعلم بصحته قاله بعض قال: وهذا والله أعلم إذا لم يقل له المشتري لا أكتفي منك بهذا، بل لابد أن تقول أخذت أو تركت وإن كان له استعجاله بالتلفظ بأحد اللفظين اه فتأمله.
قلت: قوله: وهذا إذا لم يقل إلخ.
يؤيده ظاهر قول ابن المواز وغيره: إذا أوقفه الإمام فقال: أخروني اليومين والثلاثة أنه لا يؤخر، ويقال له: إما خذ شفعتك الآن وإلا فلا شفعة لك. اهـ.
وأما إن قال: أخذت بالماضي، فإما أن يسلم له المشتري أو يسكت أو يمتنع، ففي الأول إن عرف الثمن لزمه ذلك ويباع عليه الشقص وغيره إن عجز عن أدائه، ولا يبطل فيه البيع إلا برضاهما ما لم يشترط عليه إن أتاه بالثمن، وإلا فلا شفعة فيعمل بشرطه كما في أبي الحسن، وفي الثاني يؤجله الحاكم للثمن باجتهاده فإن لم يأت به فيخير المشتري في بيع الشقص وفي إسقاط شفعته، وفي الثالث يؤجل فإن أتى به وإلاَّ سقطت، وظاهر النظم أن التأجيل بالثلاث للثمن جار في الصور كلها إلا أنه تارة يباع عليه وتارة تسقط شفعته كما رأيت، وإن كان في المدونة خصص التأجيل بالثلاث بما إذا زاد الأخذ وتبعها (خ) فقال: وإن قال أنا آخذ أجل ثلاثاً للنقد ولكن ظاهر التبصرة وغيرها كظاهر النظم، بل في ابن سلمون ما هو كالصريح في ذلك لأنه ذكر بعد وثيقة الاستشفاع ما نصه: وإذا طلب أن يضرب له أجل بالثمن بعد أخذه بالشفعة أجّل ثلاثة أيام على ما به العمل اه باختصار. ونحوه في ضيح وهو ظاهر إذ الشفعة بيع والثمن قد تخلد في ذمته فيما إذا قال: أخذت وسلم المشتري أو سكت كما مرّ. وقد قال ابن رشد: إذا سأل الغريم الحاكم التأخير بالدين اليوم ونحوه فإن القضاة اليوم يؤخرونه الثلاثة الأيام وفي (خ) وإن وعد بالقضاء وسأل تأخيراً كاليوم أعطى حميلاً بالمال، وعن العبدوسي فيمن اشترى سلعة أو دابة بالنقد فلما طلب به سأل التأخير قال: لا يؤخر به إلا الأمد اليسير الذي لا ضرر فيه على البائع كالثلاثة الأيام ونحوها إلا أن يثبت أنه لا ناض له فيحلف على ذلك ويؤجل حيئنذ في بيع ما هو أسرع بيعاً عليه بعد أن يعطي في جميع الوجوه حميلاً بالمال اه باختصار. وافهم قوله لإحضار الثمن أنه إذا طلب المهلة ليتروى ويستشير ولينظر للمشتري لا يؤخر وهو كذلك على المشهور ومذهب المدونة (خ): واستعجل إن قصد ارتياء أو نظراً للمشتري إلا كساعة إلخ.
وظاهر قوله: كساعة الخ، ولو كان المشفوع خارج البلد وهو كذلك كما في ابن عرفة، ومقابل المشهور أنه يؤجل ثلاثة أيام ليستشير وينظر وهو قول مالك في مختصر ابن عبد الحكم، وبه صدر ابن فرحون وابن سلمون واختاره اللخمي إن وقفه بفور الشراء أو بعد أيام ولم يعلم به، وعليه درج الفاسي في عملياته كما درج على أنه يؤجل ثلاثة أيام ليستشير وينظر لإحضار الثمن إلى شهرين فقال:
وأجلوا ثلاثة الأيام ** للآخذ بالشفعة للإتمام

وزيد في أجل إحضار الثمن ** أكثر للشهرين إن ضاق الزمن

وقال أصبغ: يؤجل للإحضار بحسب قلة المال وكثرته وأقصاه شهر، واختاره ابن زرب وابن ناجي: وبه كنت أقضي وربما أزيد على الشهر.
(والمدعي) معطوف على إحضار النسيان (النسيان) مفعوله وكمثل من ادعي عليه بمال أو غيره فادعى النسيان فيؤجل ثلاثة أيام ليتذكر فيقرأ وينكر (إن طال الزمن) الذي بين الواقعة والأداء فهو شرط في يؤجل المقدر.
تنبيه:
قال ابن عرفة: إن قال من وجبت عليه يمين اضرب لي أجلاً أنظر في حسابي وأمري أنظر بقدر ما يراه، وعليه عول (ح) فقال: ومن استمهل لدفع بينة أمهل بالاجتهاد إلى قوله كحساب بكفيل بالمال إلخ.
وفي الطرر عن الشعباني أن من توجهت عليه يمين وطلب التأجيل لينظر في محاسبة أجل اليومين والثلاثة ولا يزاد. ابن عرفة: وأما عكس هذا وهو أن يطلب المدعي تأخير حلف المدعى عليه ففي نوازل ابن الحاج ليس له ذلك إلا برضا المطلوب. ابن عرفة: وهو مقتضى قول ابن عات من وجبت له يمين على رجل فتغيب عن قبضها كلف القاضي من يقتضيها إذا ثبت عنده مغيبه ويشهد على ذلك. اهـ.
ابن رحال وفي الكافي: ومن سأل الحاكم النظرة في يمينه فله ذلك ما لم يتبين ضرره. اهـ.
قال: فالسائل للتأخير في كلامه هو الطالب لليمين لا المطلوب بها. اهـ.
والمُدَّعِي أنَّ لَهُ ما يَدْفَعُ ** بِهِ يَمِيناً أمْرُها مُسْتَبْشَعُ

(والمدعي) معطوف على إحضار أيضاً (أن له) خبر مقدم (ما) موصولة أو نكرة موصوفة اسم أن والجملة من قوله (يدفع) صلة أو صفة والرابط الضمير في (به يميناً) مفعول بقوله يدفع (أمرها مستبشع) جملة من مبتدأ وخبر صفة ليمين، والجملة من أن وما دخلت عليه مقدرة بمصدر مفعول بقوله المدعي أي وكالذي ادعى عند توجه اليمين عليه وجود مدفع يدفع به الخ، فيؤجل للإتيان بما ذكر، والبشع الطعام الكريه فيه جفوف ومرارة ووصف اليمين بذلك لأنها مستكرهة للنفوس سواء قلنا بجواز الصلح عنها في دعوى تحقق بطلانها كما يأتي أم لا.
وَمُثْبِتٌ ديْناً لمدْيانٍ وفي ** إخْلاءِ ما كالرّبعِ ذلِكَ اقْتَفِي

(ومثبت) بفتح الباء معطوف على أن وما دخلت عليه فهو من إطلاق المفعول وإرادة المصدر كمسند بمعنى إسناد وكمحلوف بمعنى حلف أي: وكالذي ادعى أن يثبت ديناً أي إثباته لديان أو عليه ويجوز قراءته بكسرها عطفاً على إحضار أي وكمدّع مثبت أي يثبت أي يريد أن يثبت فهو اسم فاعل بمعنى الاستقبال (ديناً) مفعول به على كلا الإعرابين (لمديان) يتعلق بمحذوف صفة أي كائناً لمديان زعم أنه لا شيء له فيريد المدعي أن يثبت أن له ديناً على آخر، فاللام على بابها أو بمعنى على فتكون لإثبات الدين على المنكر (وفي إخلاء) يتعلق باقتفى (ما) مضاف إليه (كالربع) صلته (ذلك) التأجيل المفهوم من أجل بثلاثة أيام مبتدأ (اقتفي) اتبع خبره أي من استحق من يده ربع بعدلين ولم يبق له إلا الإعذار وطلب المستحق توقيفه بإخلائه كما يأتي في قوله: ووقف ما كالدور غلق إلخ.
فإن الحائز يؤجل لإخلائه بما ذكر.
وشَرْطُه ثبوتُ الاسْتِحقاقِ ** برسمٍ الإعذارُ فيه باقِي

(وشرطه) أي التأجيل للإخلاء مبتدأ (ثبوت الاستحقاق) خبره (برسم) يتعلق بثبوت (الإعذار فيه باقي) جملة من مبتدأ وخبر صفة لرسم أي لم يبق فيه إلا الإعذار لثبوته بعدلين كما قررنا، فهذه خمسة فروع التأجيل فيها بثلاثة ويزاد عليها غيرها مما يشبهها كما مرّ فيمن اشترى سلعة بالنقد أو وعد بالقضاء ونحو ذلك والله أعلم.
وفي سِوَى أصْلٍ لهُ ثمانيَهْ ** ونصْفُها لستةٍ مُوَالِيَهْ

(وفي سوى أصل) يتعلق بالاستقرار الذي تعلق به الخبر في (له ثمانية) مبتدأ أي ثمانية أيام ثابتة في إثبات سوى الأصول مما عدا ما مر (ونصفها) وهو أربعة مبتدأ (لستة) يتعلق بالخبر الذي هو (مواليه) أي تابعة للستة التي تلي الثمانية فيؤجل أولاً ثمانية ثُمَّ ستة ثُمَّ أربعة.
ثُمَّ ثَلاَثَةٌ لِذاك تَتْبَعُ ** تلوُّماً وأصْلُهُ تَمَتَّعْوا

(ثُمَّ ثلاثة) مبتدأ.
(لذاك) التأجيل بالأربع (تتبع) بفتح التاء مضارع تبع خبر ولذاك يتعلق به (تلوماً) حال من الضمير في تتبع أو مفعول لأجله والتلوم الأجل الأخير (وأصله) أي التلوم بالثلاث مبتدأ (تمتعوا) خبر قصد لفظه أي قوله تعالى: {فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام} (هود: 56) فمجموع الأجل في سوى الأصل أحد وعشرون يوماً كما ترى. واعلم أنه يجب على القاضي أن يوقفه عند انقضاء كل أجل فإن أتى بشيء وإلاَّ كتب تحته وأجله قاضي كذا وهو وفقه الله أجلاً ثانياً بعد أن حضر عنده المتأجل المذكور وأعلمه بانصرام أجله فادعى أنه لم يأت بشيء بمحضر من يوقع اسمه أثره ممن حضر لذلك وأشهده القاضي المذكور إلى آخر الإشهاد كما مرّ. قال في النهاية: وكان بعض القضاة يكتفي بإحضاره في ابتداء التأجيل ولا يحضره في الثاني والثالث، بل إذا انقضى الأول كتب تحته أجلاً ثانياً من غير حضور المتأجل ولا سؤاله فإذا انصرفت الآجال والتلوم أحضره حينئذ، فإن أحضر إليه شيئاً وإلا عجزه. وقال: إنما يلزمني إحضاره في التأجيل الأول، فإذا عرف أني أجلته لم يلزمني إحضاره بعد ذلك في سائر التأجيلات كما لو جمعتها عليه قال: وليس هذا بتمام لأنه إذا لم يحضره ربما ادعى أنه لم يؤجل غير الأجل الأول. اهـ.
باختصار وبعضه بالمعنى.
تنبيهات:
الأول: إذا تم الأجل الأول فلا تكتب الثاني في اليوم الذي يتم فيه الأول لأنه لا يتم إلا بانقضائه، بل اكتبه في اليوم الذي بعده ثُمَّ لا تحسب بذلك اليوم الذي كتبت فيه كما مرّ قاله ابن مالك القرطبي.
الثاني: لا يؤجل في قوله: سوى أصل تأجيل العبيد للإتيان بشاهد ثان على حريته بل يؤجل الشهرين والثلاثة، ولاسيما إن ادعى غيبته كما في التبصرة، وكذا من شهد عليه بما يقتضي القتل من زندقة ونحوها فادعى أن بينه وبين القاضي عداوة تمنع حكمه فإنه يؤجل لإثباتها شهرين اتفق عليه أهل قرطبة.
الثالث: إذا انقضت الآجال ولم يأت بشيء وأراد التسجيل عليه فأظهر وثيقة أو بينة وأراد إثباتهما فقيل يضرب له بعد ذلك أجلاً قاطعاً فإن أثبت وإلاَّ سجل عليه وقيل يسجل عليه ولا يؤجل. وقال ابن حارث: الصواب عدم التسجيل عليه وبعده بالإشهاد عليه ليوم بعينه، فإن أثبت وإلا سجل عليه وقيل: ذلك مصروف لاجتهاد القاضي فإن رأى له في ذلك منفعة أجله بالاجتهاد وإلاَّ سجل عليه. ذكر ذلك في اختصار البرزلي. ونقل ذلك أيضاً في أقضية المعيار. قلت: ولعله خلاف في حال وأن من قال لا يؤجل رآه ملداً كما يأتي عند قوله: ومثله حائز ملك سكنه. ثُمَّ قال البرزلي بعد ذلك: ومن ثبت عليه أنه غاصب لدار مثلاً فضربت له الآجال وانصرمت فقال بعد ذلك: لا حق لي فيها وهي لأخي فقيل: يسجل عليه ولا يعذر للأخ، وعن ابن زرب: إن ألفيت الأملاك بيد أحد من سبب الأخ فيعذر فيه للأخ وإلاَّ سجل عليه بما ثبت.
الرابع: إذا أجله الحاكم الأجل الأول مثلاً ثُمَّ تغيب حتى مضى مقدار الأجل الثاني والثالث فقد ذكروا في أوائل الأنكحة من المتيطية في ذلك خلافاً. وقال أبو الحسن على قولها: من اشترى شيئاً بالخيار ولم يضرب له أجلاً جاز وجعل له من الأمد ما ينبغي في مثل تلك السنة ما نصه قال الشيوخ: معناه إذا عثر عليه قبل مضي أمد الخيار، وأما إن لم يعثر عليه حتى مضى القدر الذي يضرب لتلك السلعة فإن الإمام يوقفه فإما أن يختار أو يرد. انظر هل يقوم من هنا أن الخصم إذا تغيب مقدار ما يؤجله الحاكم ثُمَّ ظهر فإنه يوقفه ولا يؤجله وأخذه من هنا بين. قال الفقيه: وأما أنا فأحتاط وأستأنف له ضرب الأجل، ولكن يختلف ذلك باختلاف الخصوم فرب خصم يظهر منه أن ذلك لدد فلا يؤجل له. اهـ.
وفي الأُصُول وفي الإرْث الْمُعْتَبَرْ ** مِنْ عَددِ الأيَّامِ خَمْسَةَ عَشَرْ

(وفي) إثبات (الأصول وفي) إثبات (الإرث) والمجروران يتعلقان بالمبتدأ الذي هو (المعتبر) وكذا (من عدد الأيام) أي المعتبر في التأجيل وهو المعبر عنه بعدد الأيام في إثبات الأصول من إرث أو غيره، وفي إثبات الإرث من غير الأصول (خمسة عشر) أولاً خبر المبتدأ.
ثمَّ تَلِي أربعةٌ تُسْتَقْدَمُ ** بضِعْفِها ثُم يَلي التَّلوُّمُ

(ثُمَّ تلي) الخمسة عشر.
(أربعة) فاعل تلي والجملة معطوفة (تستقدم بضعفها) وهو ثمانية.
والجملة صفة لأربعة أي يؤجل خمسة عشر أولاً ثُمَّ ثمانية ثُمَّ أربعة (ثُمَّ يلي) الأربعة التي بعد الثمانية (التلوم) بثلاثة فاعل يلي والجملة معطوفة أيضاً فالمجموع شهر كامل، وهذا مع حضور البينة في البلد أو بقربه فإن بعدت غيبتها فهو قوله.
وفي أصولِ إرْثٍ أو سِوَاهُ ** ثَلاَثَةُ الأشْهُرِ مُنْتَهَاهُ

(وفي) إثبات (أصول إرث أو سواه) أي الإرث (ثلاثة الأشهر) خبر مقدم (منتهاه) مبتدأ وضميره للتأجيل والمجرور يتعلق به أي منتهى الأجل في أصول الإرث أو غيره ثلاثة أشهر.
لَكِنْ مَعَ ادِّعاءِ بُعْدِ البَيِّنَهْ ** وَمثْلُهُ حائزُ مِلكٍ سَكَنهْ

(لكن) محل التأجيل بذلك (مع ادعاء بعد البينة) فالظرف خبر للمبتدأ المقدر بعد لكن الاستدراكية ثُمَّ لا يوقف الأصل المذكور ولا يحال بينه وبين صاحبه بمجرد هذه الدعوى كما يأتي في الإيقاف والبعد كالعراق من المدينة. وكلام الناظم إنما هو إذا سأل المطلوب من الحاكم أن يقطع عنه شغب الطالب، وإلاَّ فلا حاجة للتأجيل المذكور، بل يقول للطالب اثبت دعواك فإن أراد الطالب تحليف المطلوب مع بقائه على حجته فلابد من تسمية الشهود كما مرّ، ويأتي أيضاً عند قول الناظم وإن تكن بعيدة الخ (ومثله) خبر عن قوله (حائز ملك) وقوله (سكنه) جملة فعلية صفة لملك.
معْ حُجَّةٍ قَوِيَّةٍ لَهُ مَتَى ** أثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ مَنْ أثْبَتَا

(مع) ادعاء (حجة قوية له) أي للحائز والظرف في محل نصب على الحال أي الحائز للملك بالسكنى مثلاً يطلب المهلة مع ادعاء حجة قوية مماثل لما قبله في التأجيل المذكور (متى أثبته) أي الملك الذي بيده (لنفسه من) موصولة فاعل أثبته (أثبتا) صلته والعائد محذوف والجملة شرط في الحكم الذي هو المماثلة والجواب محذوف لتقدم ما يدل عليه كقوله: أنت ظالم إن فعلت، والتقدير والحائز الطالب للمهلة مع ادعاء الحجة مماثل لما قبله في التأجيل إن أثبت الملك الذي بيده لنفسه القائم الذي أثبته أي الذي كان يريد إثباته فهو على حذف الكون والإرادة. وحاصل معناه أن الحائز لشيء إذا نوزع فيه وادعى أن له حجة تقطع حجة القائم فإنه يؤجل لإثباتها بثلاثة أشهر، وأسهل من هذا البيت لو قال إثر قوله سكنه ما نصه:
يدع حجة تعارض التي ** أثبت قائم بغير علة

وبغير علة حال أي أثبتها حال كونها بغيرعلة توهنها. قال في العتبية: فإذا انقضت الثلاثة ولم يثبتها وادعى غيبة شهوده وتفرقهم وسأل الزيادة في الأجل فإن كان مأموناً لا يتهم بباطل زيد له فيه وإن كان ملداً يريد الإضرار بخصمه لم يزد له إلا أن يذكر أمداً يقارب شأنه ولم يعلم كذبه في مثله. اهـ.
فقوله: ومثله حائز الخ أي يؤجل بذلك ولو لم يدع بعد بينته فهو مشبه فيه بدون قيده كما هو ظاهر المتيطية والتبصرة، وفي الأقضية من أجوبة ابن رشد فيمن أجل أجلاً بعد أجل ثُمَّ تلوم له فاستظهر برسم فيه ابتياع أبيه من القائم عقد ببياسة وهي لا حاكم بها تثبت عنده الحقوق ويخاطب بها قال: الواجب أن يوسع عليه في الأجل فإن طال الأمر ولم يقدم ببياسة حاكم كتب القاضي الذي يتخاصمون عنده إلى رجل ثقة عدل مرضي من أهل بياسة فيشهد عنده الشهود ويخاطبه بذلك، فإذا ورد عليه جوابه بشهادة الشهود عنده وقبوله لهم ثبت العقد بذلك وقضى به. اهـ.
وهو يؤيد ما مر في التنبيه الثالث.
وَبيْعُ مِلْكٍ لِقَضَاءِ دَيْنِ ** قَدْ أَجَّلُوا فِيهِ إلى شهْرَيْنِ

(وبيع ملك) دار أو غيرها مبتدأ (لقضاء دين) على ربها الغائب أو الحاضر وهو يتعلق ببيع (قد أجلوا فيه) أي في تسويفه للبيع من شهر (إلى شهرين) يتعلق بأجلوا. والجملة خبر المبتدأ (خ) وعجل بيع الحيوان واستؤني بعقاره كالشهرين، ثُمَّ إذا انقضى الشهران فإنه يباع عليه ولو لم يبلغ القيمة لأنه غاية المقدور كما لابن محرز، وكذا بيع ربع اليتيم للنفقة عليه، وإذا بيع عليه وأثبت أن في البيع غبناً فلا يسمع لأن مثل هذا البيع لا يتصور فيه الغبن كما يأتي في فصلي الغبن والبيع على الغائب إن شاء الله.
وحلُّ عَقْدٍ شَهْرٌ التَّأجِيلُ ** فِيهِ وذا عِنْدَهُمُ المقْبُولُ

(وحل عقد) مبتدأ (شهر) خبر عن قوله (التأجيل فيه) والجملة خبر المبتدأ (وذا) مبتدأ (عندهم) يتعلق بالخبر الذي هو (المقبول) ومقابله يؤجل بشهرين وحل العقود كما قال ولد الناظم أول الشهادات من شرحه ونقله في شهادات المعيار أيضاً: يكون بأشياء إما بظهور تناقض على السواء في الاسترعاء أو بظهور تناقض من المشهد أو من في حكمه في الأصل كاختلاف قول أو اضطراب مقال أو بمضادة قوله لنص ما شهدوا له به، وإما بتجريح شهوده وإما بثبوت استرعاء أو إقرار على صفة بعداوة بين الشهود وبين المحكوم عليه في غير ذات الله يثبت اتصالها من قبل تاريخ أداء الشهادة المدفوع فيها بالعداوة إلى تاريخ شهادة العارفين بالعداوة المذكورة، وإما بثبوت استرعاء معروف السبب فيما انعقد بعوض أو غير معروف السبب فيما انعقد بغير عوض، وإما بظهور استحالة في متون الرسوم. اهـ.
قلت: تقدمت أمور من الاضطراب عند قوله: ولانحصار ناشئ الخصام إلخ.
فمثال تناقض الاسترعاء أن يشهدوا بملكية فرس مثلاً لشخص وأنه من ماله، وأنه من نتاج كسبه لا يعلمون باعه ولا وهبه ولا خرج عن ملكه منذ تملكه بالشراء الصحيح من فلان إلخ.
فعجز الوثيقة يناقض صدرها والاسترعاء هي الشهادة التي يمليها الشاهد من حفظه ويسندها إلى علمه كتعديل أو تجريح أو تصرف في ملك أو معاوينة غصب أو سرقة ونحو ذلك وتصدر بفي علم شهيديه أو بفعل وما في معناه مصرحاً به أو محذوفاً للاختصار فالمصرح به كقوله يشهد أو يعلم من يضع اسمه أو من يتسمى أثره، ونحو ذلك والمحذوف كقوله: حضر من يوقع اسمه اغتصاب فلان لفلانة ونحوه، فإن تقديره يشهد من يتسمى بعد هذا أنهم حضروا كذا ووسطه أوصاف ما تحمل معلوماً عند الشاهد وعجزه فعل لا غير كقوله: شهد بما في الرسم من حضر لذلك أو عاينه ونحو ذلك. وقوله: أو بظهور تناقض من المشهد ومن في حكمه أي المشهد بضم الميم وكسر الهاء وهو من يشهد الشهود على عقد عقده أو دين التزمه أو اعترف به ونحو ذلك، والذي في حكمه هو وكيله أو وارثه أو غريمه والأصل هو ما يمليه العاقد إن على الشهود من بيع أو هبة أو صداق أو كراء، ونحو ذلك وصدره فعل وافعل وافتعل كوهب وشفع أو أصدق أو أنكح أو اشترى أو اكترى ونحو ذلك ووسطه أوصاف ما أشهد به المشهد من الوجوه التي التزمها وعجزه شهد على إشهاد الواهب أو المتبايعين ونحو ذلك. وبالجملة، فكل فعل في الصدر والإعجاز كان مضافاً إلى الشاهد فهو استرعاء وكل فعل في الصدر والإعجاز كان مضافاً إلى المشهد، ومن في حكمه، فهو أصل. ومثال تناقضه أن يشهدهم أن الدار الفلانية مثلاً ورثها عن أبيه ولا زال يتصرف فيها منذ تملكها بالهبة أو الشراء من فلان إلخ.
أو يشهدهم أنه حبسها على أولاده وأعقابهم حبساً مؤبداً تكون مالهم وملكهم ونحو ذلك، وكأن يكون صدر الرسم استرعائياً وعجزه أصلياً مثل أن يقول: يشهد من يضع اسمه بأن فلاناً غصب جميع كذا من فلان في وقت كذا شهد على إشهاد الغاصب بالغصب المذكور، وكذا العكس. ولذا قال الشارح: يجب الاهتمام بصيغ الألفاظ لتكون متفقة في الصدر والإعجاز لئلا يلتبس حكم كل منهما أي من الأصل والاسترعاء بحكم الآخر فيفضي إلى اختلاف المعنى. اهـ.
وقوله: كاختلاف قول إلخ.
مثال على اللف والنشر المرتب أي كاختلاف قول الشاهد في الاسترعاء واضطراب مقال المشهد في الأصل كما قررنا والضمير المجرور بالقول في قوله أو بمضادة قوله إلخ.
يعود على المشهود له الذي هو صاحب الحق المفهوم من السياق لا على المشهد السابق لفساد المعنى لأن المشهد هو المحكوم عليه فهو مشهود عليه لا له، ومثاله أن يشهدا له بالملكية للفرس مثلاً وأنه من نتاج كسبه فيعترف هو أنه تملكه بالشراء، ومن هذا ما في معاوضات المعيار عن سيدي مصباح فيمن اشترى أرضاً فسئل عن ثمنها فقال كذا، فلما أقام البينة بابتياعه شهدت بأقل من الثمن الذي ذكره أو بأكثر قال: إنه مكذب لبينته في الابتياع خاصة على المشهور المعمول به وليس مكذباً لهم فيما يصدقهم فيه من غير تلك القضية إذ لا يجرح الشاهد بالكذب حتى يكون مجرباً عليه. اهـ.
ثُمَّ ذكر عنه في مثلها بعد ذلك بنحو الورقتين أنه لا يكون مكذباً إن ادعى النسيان أو الغلط إلا أن يكون في خصام فيكون مكذباً لأنه موضع التحرز. اهـ.
ومنه ما في تبصرة اللخمي فيمن شهد أن فلاناً ذبح فلاناً وشهد الآخر أنه أحرقه، والمشهود عليه منكر الشهادتين فإن قام الأولياء بالشهادتين بطل الدم، وإن قاموا بإحداهما أقسموا معه. اهـ.
وإنما بطلتا معاً إذا قاموا بهما لأن من أدلى برسم فهو قائل به فهم يقولون بلسان الحال ذبحه أحرقه فقد كذبا كلاً منهما وقد تقدم كثير من هذا عند قوله. ولانحصار ناشئ الخصام. وانظر ما يأتي في الاستحقاق إن شاء الله عند ابن رشد فيمن أقر أبوه أن الملك بينه وبين قوم آخرين ومات فادعى ولده بعد نحو الستين سنة وهو يحوزه أن الملك خاص بأبيه أن والمقوم عليه إن كذب بينة الإقرار وعجز عن إبطالها أو صدقها وادعى أن أباه كان اشترى حصة غيره وعجز عن إثبات الشراء ولو بالسماع، فإنه يحكم بالملك للقائم إن كان غائباً في مدة الحيازة. وقوله: وإما بثبوت استرعاء وإقرار إلى قوله: بالعداوة الجار والمجرور من قوله على صفة يتنازع فيه استرعاء وإقرار بالاسترعاء كأن يشهد شاهدان بعداوة بين شهود الحق المقوم به وبين المشهود عليه فتسقط شهادة شهود الحق بشرط كون العداوة دنيوية لا دينية وبشرط كونها سابقة على تاريخ أداء الشهادة بالحق واتصلت إلى حين أداء الشهادة بهذه العداوة والإقرار أن يشهد عدلان بإقرار القائم صاحب الحق بالعداوة بين شهود الحق وبين المشهود عليه على الوجه المذكور. وقوله: وإما بثبوت استرعاء معروف السبب إلخ.
المراد بالاسترعاء هنا معناه الخاص وهو المعبر عنه بالاستحفاظ كما يأتي في باب الصلح إن شاء الله، وليس المراد به الاسترعاء بالمعنى المتقدم. وقوله: معروف السبب هو ما وقع لأجله الاستحفاظ من تقية خوف أو إنكار غريم، فإذا كان الاسترعاء في المعاوضات من بيع أو إجارة أو خلع ونحوه، فلا يكفي شهادة الشهود عليه بأن ما يعقده على نفسه في المستقبل من بيع ونحوه غير ملتزم له، وإنما يفعله خوفاً من كذا، بل حتى يشهد الشهود المذكورون أو غيرهم بصحة ما ذكره من الخوف وقت البيع أو الخلع أو الإنكار ونحو ذلك بخلاف التبرعات من عتق وهبة ونحوهما، فإنه يكفي إشهاده بأنه إنما يفعله خوفاً من كذا، ولا يحتاج لإثبات التقية، والفرق أنه في المعاوضات أخذ العوض فلا يصدق فيما يدعيه من الخوف ونحوه حتى يثبته بخلاف التبرعات. وقوله: أو بظهور استحالة إلخ.
أي بظهور ما يستحيل عادة كأن يستظهر القائم برسم يظهر من تاريخه أن المقوم عليه كان وقتئذ لم يوجد أو لم يبلغ الحلم، ومنه ما في المعيار عن ابن رشد في سبخة بين أرض قوم لم يدعها أحد إلى أن قام رجل وأثبتها لنفسه ببينة غريبة من أهل الموضع فأنكره أهله زاعمين أنها لهم لكونها بين أراضيهم مجاورة لها فهي من أفنيتها. وفي البلد ناس مضت عليهم أعصار لم يشهد أحد قط بمثل ما شهد به أولئك الغرباء قال: إذا كان في البلد عدول لا يدعون في السبخة حقاً ولا يعرفون للقائم فيها ملكاً بشهادة الغرباء غير جائزة والواجب أن تبقى مسرحاً لجميعهم.
تنبيه:
الاسترعاء بمعنى الاستحفاظ لا يكون إلا في شهادة الأصل لا في شهادة الاسترعاء بالمعنى المتقدم فهو مما تفترق فيه شهادة الاسترعاء من شهادة الأصل زيادة على ما مرّ ومما تفترق فيه أيضاً أن الأصل يوقف الخصم عليه ويسأل عنه قبل ثبوته ليقر أو ينكر، ولا يسئل المقدم عليه بالاسترعاء ولا يوقف عليه حتى يثبت كما مرّ، وإن الاسترعاء قد يوجب أحكاماً عامة كثبوت هلال رمضان للصيام بخلاف الأصل فلا يوجب إلا أحكاماً خاصة، وأن الحكم في تعارض الأصل معلق بالتاريخ وفي الاسترعاء معلق بالأعدل من شهود الرسمين المتعارضين، وأن كل وثيقة قام بها الخصم على خصمه ولخصمه فيها منفعة يرجوها فإن له أخذ نسخة منها بخلاف الاسترعاءات كرسم الإراثة ونحوه فلا يلزمه إعطاء نسختها لأن الذين شهدوا بها وبما تضمنته حضور فله أن يقول اذهب إلى من شهد لي يقيد لك شهادته كما قيدها لي إذا كانوا حضوراً وأنه يستكثر من شهوده في الترشيد والتسفيه كما يأتي، وكذلك في الرضاع عند ابن الجهم قالوا: وكذا ينبغي في كل موضع تكون فيه الشهادة على الظن الغالب الذي لا سبيل فيه إلى القطع كالتفليس وحصر الورثة والاستحقاق والشهادة لامرأة بغيبة زوجها وتركها بغير نفقة والشهادة بالسماع ونحو ذلك، فإن لم يمكنه الاستكثار المذكور فيكفيه العدلان حتى في التسفيه والترشيد كما في أقضية البرزلي بخلاف الأصل فإنه لا يطلب فيه الاستكثار من شهوده ولو مع الإمكان، ولذا قال ابن رشد: إذا طلب البائع بالدين الإشهاد على مشتريه بأكثر من اثنين وامتنع الآخر فإن البائع لا يجاب وأن شهود الاسترعاء يستفسرون عن شهادتهم بعد أدائها دون شهود الأصل لأنه في الأصل إنما هو حاك عن غيره وأنه لا يقبل في الاسترعاء إلا العدل المبرز المتيقظ الضابط العارف بطرق الشهادة وتحملها وأدائها ومعاني الألفاظ وما تدل عليه نصاً وظاهراً ومفهوماً قاله ابن أبي الدنيا. قال: وهذا بحسب ما يدل عليه عقد الاسترعاء في فصوله ومن طول الأمد وقربه لما يعرض في طول الأمد من النسيان، لاسيما إذا كان العقد يتضمن فصولاً. اهـ.
نقله في المعيار ونحوه في الفائق قال: وعن بعض المفتيين لا تقبل شهادة الاسترعاء إذا تأخرت عن زمن تحملها إلاَّ حفظاً من صدره. اهـ.
قلت: وهذا لا يجري في اللفيف الذي به العمل عندنا إذ لا توجد فيهم العدالة فضلاً عن التبريز.
تُجْمَعُ الآجالُ والتَّفْصِيلُ ** في وَقْتِنَا هذَا هُوَ المَعْمُولُ

(وتجمع) بضم التاء مبنياً للمفعول (الآجال) نائبه قال المتيطي: وله أن يضرب له أجلاً قاطعاً من ثلاثين يوماً ويخبره أنه جمع له في ذلك الآجال والتلوم حتى يعرف ما يترتب عليه. اهـ.
وانظر هل إخباره بذلك واجب بحيث يبطل الحكم إذا لم يخبره أم لا؟ وهو الظاهر من وثيقة له في أوائل النكاح ذكر فيها ما نصه: وأجله وفقه الله لإثبات عدمه بالصداق آجالاً جمعها له مع التلوم في أحد وعشرين يوماً أولها كذا شهد على إشهاد القاضي إلخ.
فلم يذكر فيها أنه أخبره بالجمع المذكور، فلو كان واجباً ما أمكنه تركه ولا يلزم من التنصيص عليه في رسم الآجال أن يكون علم به لأن رسم الآجال لا يكون بيده بل بيد الطالب (والتفصيل) للآجال مبتدأ و(في وقتنا) يتعلق به (هذا) نعت لوقت (هو) مبتدأ ثان (المعمول) به خبره. والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر الأول، ويجوز أن يكون في وقتنا يتعلق بالمعمول أي والتفصيل للآجال على حسب ما مرّ في وقتنا. هذا هو المعمول به عند قضاة العدل دون جمعها، ومن ثمرته ما مرّ من أنه يوقفه عند تمام كل أجل.
تنبيه:
تقدم أن الآجال موكولة لاجتهاد الحكام وأن التفصيل المذكور لا يجب الوقوف عنده، لكن المناسب لما مر عند قوله وقول سحنون به اليوم العمل إلخ.
من ضعف عدالة قضاة الوقت أن لا يقبل منهم أقل من هذه التحديدات المذكورة، وأنه إن حكم عليه بعد أن أجله بأقل وعاجله بالحكم والمحكوم عليه يطلب ما وجب له على التفصيل المار ينقض حكمه وتعجيزه إن أتى بحجة لأنهم إنما استحسنوا التحديدات المذكورة وعملوا بها رفعاً للتهم فكما لا يقبل قول قاضي الوقت: حكمت بعد أن أجلت ونحوه كما مرّ كذلك لا يقبل قوله اجتهدت في قدر أجله إذ ليس هو من أهل الاجتهاد، ولذا صرح غير واحد بأن العمل على التفصيل المتقدم. وانظر ما يأتي عند قول الناظم في التوقف فلا غنى عن أجل مضروب.